السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
أيها الإخوة الأكارم الله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يرزقنا جميعًا العلم النافع والعمل الصالح، وأن يجعل علمنا وعملنا خالصًا لوجهه الكريم وفق سنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم، سيكون الكلام كما هو معلوم عن شرح أربعين حديثًا مختارة من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وقبل التعليق إن صحت العبارة أذكر بين يدي هذا الدرس مقدمات.
المقدمة الأولى: أن طرق أهل العلم قد تنوعت في تصانيفهم، فتصانيف مطولة، وتصانيف مختصرة، ومن أنواع التصنيف جمع المتفرق أو تفريق المجتمع، أو جمع النظائر، والكتب، أو كتب أهل العلم في غالبها لا تخرج من هذه التقاسيم وما ذكره أهل العلم فيما يتعلق بتقسيم أو بأنواع التصنيف.
المقدمة الثانية: التصنيف في الأربعينات اختيار أربعين حديثًا، هذا الفن قد كتب فيه كثير من أهل العلم، وتنوعت تصانيفهم فيه، فهناك أربعون حديثًا متعلقة بمتن الحديث كأن يكون المتن في موضوع معين، ومن ذلك الأربعون في الحث على اصطناع المعروف للمنذري، ومن ذلك الأربعون في الحث على الجهاد وفضله لابن كثير، ومن ذلك الأربعون في التوحيد للهروي، ومن ذلك الأربعون في السنة للإمام الذهبي، وقد تكون الأربعون في قواعد الإسلام وكلياته، والكتاب المشهور في هذا الأربعون النووية.
وقد تكون الأربعون مصنفة فيما يتعلق بعلم الإسناد، علم الرواية، الأول علم الدراية، علم الرواية: كأن يتقصى المؤلف أسانيد معينة كما فعل الدارقطني في الأربعين التي صنفها في أحاديث بريدة أو بريد بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري فيما يرويه عن جده أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه، انتقى الدارقطني أربعين حديثًا رواها وأفردها في مصنف، قد يكون أيضًا من أنواع الأربعين في السند ما ألفه بعضهم في الأربعين العُشارية، الإسناد من عشرة رجال، أو السباعية من سبعة رجال.
المقدمة الثالثة: سبب اختيار عدد الأربعين، القول في هذا على حديث اشتُهر أن من حفظ على أمتي أربعين حديثًا كنت له شفيعًا يوم القيامة، أو بعثه الله فقيها يعني يؤجر أجر الفقهاء، هذا الحديث هو السبب الرئيس في تصنيف كثير من المحدثين لمؤلفات خاصة بالأربعين، لكن هذا الحديث على كثرة طرقة ومخارجه، إلا أنه ضعيف من جميع طرقه، وقد ضعفه أو حكم عليه بالضعف مع كثرة طرقة أئمة فحول، كالإمام ابن حجر، والإمام النووي والدارقطني قبلهما، ومن سواهم.
وهنا يتبين أن كلام أهل العلم أن الحديث إذا روي من طرق متكاثرة بأنه يرتقي إلى درجة الاحتجاج ليس على إطلاقه؛ فقد بين ابن الصلاح وغيره أن ذلك مشروط بما إذا لم تكن الطرق ضعيفة جدًّا، وهذا الحديث ومثَّل به أهل العلم وأظن أن ابن الصلاح مثل به، أنه لا يصح على كثرة طرقه أن يرتقي لشدة الضعف.
وأيضًا التمس بعضهم حججًا في التصنيف في الأربعين وقال بأن هذا الرقم له تميز، وقد جاء في ميقات موسى: ﴿ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ﴾(1) ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ ﴾(2) وجاء أن نصاب الغنم أربعين، ولكن هذا لا يعرج عليه، إنما العمدة في ذلك الحديث، ولهذا الإمام النووي رحمه الله تعالى عندما ألف الأربعين قال وهذا الحديث لا يصح من جميع طرقه، وإن كان أهل العلم يترخص بعضهم في الاحتجاج بمثل هذه الأحاديث في فضائل الأعمال، إلا أني -يعني النووي رحمه الله تعالى- إنما صنفت هذه الأربعين لحديث: « نضر الله امرأ سمع مقالتي فأداها كما سمعها »(3) .
المقدمة الرابعة: أن مرادي ومسلكي في هذا الدرس بالتربية والمنهج كما هو مذكور أن التربية متعلقة بالعبد مع جوارحه ونفسه، وخاصة نفسه، أما المنهج فمع تعامله مع الناس سواء الموافقين أو من وافق أو من خالف.
المقدمة الخامسة: طريقتي في هذا المجلس العلمي أو في هذا الدرس أن أذكر تعاليق وفوائد يسيرة؛ لأن أهل العلم كما ورد أو كما جاء في الخبر في الحديث ما ترك لنا عاقل من رباع قد أفاضوا -رحمهم الله تعالى- وأجادوا في شروح هذه الأحاديث وغيرها، بل إن بعض أهل العلم قد أفرد مصنفات مستقلة في شرح أحاديث كل مصنف متعلق بحديث، ولأن الوقت قصير سيكون التعليق يسيرًا، لكن الشاهد والقصد من التعليق هو أن يربط دعاة أن تكون الوقفات خاصة مع دعاة الخير لأنهم قدوة الناس، فإذا كان القدوة على بصيرة من أمرهم انتفعوا وانتفع الناس بهم، وسنسمع متن كل حديث ثم أذكر ما يسر الله وما فتح الله.
(1) سورة الأعراف (سورة رقم: 7)؛ آية رقم:142 (2) سورة الأحقاف (سورة رقم: 46)؛ آية رقم:15 (3) الترمذي : العلم (2657) , وابن ماجه : المقدمة (232). |