ترتيب الأدلة: وأَمَّا الأَدِلَّةُ فَيُقَدَّمُ الْجَلِيُّ مِنْهَا
عَلَى الْخَفِيِّ، وَالْمُوجِبُ لِلْعِلْمِ عَلَى الْمُوجِبِ لِلْظَنِّ، وَالنُّطْقُ
عَلَى الْقِياسِ، وَالْقِيَاسُ الْجَلِيُّ عَلَى الْخَفِيِّ، فَإِنْ وُجِدَ فِي النُّطْقِ
مَا يُغَيِّرُ الأصلَ، وَإِلا فَيُسْتَصْحَبُ الْحَالُ.
هذا الآن ترتيب الأدلة أيهما يقدم إذا جاءك دليل واضح الدلالة وموضوع
واضح المراد منه من القرآن، ووجد دليل آخر مثلا من السنة خفي لم تضح من الدلالة إما
مؤول أو ظاهر في أحدهما أظهر، وذلك من تقدم النص نصه بالموضوع أنه يقدم ما كان جليًا؛
لأنه موجب للعلم وهذا موجب للظن وما كان موجب للعلم مقدم على ما كان موجبًا للظن.
قال: (وَالنُّطْقُ عَلَى الْقِياسِ) يعني قدم القرآن والسنة على القياس،
والقياس أقسام.
قال المؤلف: (وَالْقِيَاسُ الْجَلِيُّ عَلَى الْخَفِيِّ)، القياس الجلي
هو ما ثبتت علته بنص، أو كان مجمعًا عليها، أما الخفي ما كانت علته مستنبطة، فإن هذا
يسمى قياسًا خفيًا.
فالقياس الجلي ما جاء النص به مقدم على القياس الخفي، والشريعة تأتي
أحيانًا بالنص على العلة، كما في الصحيحين: «إِنَّمَا جُعِلَ الِاسْتِئْذَانُ
مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ»(1) نص
على علته، كذلك في الحديث الصحيحين: «لا يَقْضِيَنَّ حَكَمٌ بَيْنَ
اثْنَيْنِ وَهْوَ غَضْبَانُ»(2)،
أجمع العلماء على أن تشوش الذهن هو المانع من الحكم، فكل ما كان كذلك فإنه يلحق به،
الجائع والظمآن فإنه يلحق بالغضبان، فهذا ترتيب الأدلة القياس الجلي يقدم على الخفي.
(1) أخرجه البخاري في كتاب الاستئذان-
باب الاستئذان من أجل البصر (6241)، ومسلم في كتاب الآداب- باب تحريم النظر في بيت
غيره (2156). (2) أخرجه البخاري في كتاب الأحكام-
باب هل يقضي القاضي أو يفتي وهو غضبان (7158)، ومسلم في كتاب الأقضية- باب كراهة قضاء
القاضي وهو غضبان (1717). |